مجاب

ما هو الجانب الأكثر حضورًا في المنهج النقدي، الذاتية أم الموضوعية؟

منذ 4 سنوات الوردة السوداء

ما هو الجانب الأكثر حضورًا في المنهج النقدي، الذاتية أم الموضوعية؟

الإجابات

0
ج: ما هو محسومأن الموضوعية هي العلم، وأن الذاتية هي الأدب والفن والصوفية. ومع ذلك فإن ثمة من يعتقد بأن النصَّ الأدبي يصف الواقع، أو هو ينبغي أن يفعل ذلك. ولكن الذي يتخصَّص في وصف الواقع هو علم الاجتماع أو علم السياسة أو علم التاريخ. أما الأدب فيصف انعكاس الواقع على الذات؛ أو قل إنه يصف العلاقة التي تربط بين النفس ومحيطها أو جملة تجربتها. فالنص الأدبي الجيد هو، على الدوام، نتاج لأثر الواقع في النفس؛ وهو يستهدف التأثير في البنية النفسية أو الذاتية للمتلقي. ومن شأن هذا التأثير، أو مقداره وزخمه، أن يحدِّد قيمة النصِّ نفسه. وهذا يعني أن الأدب والنقد الأدبي كليهما نتاج لنشاط ذاتي أصيل، وذلكم لأن مقولة التأثير هي المقولة السيدة في الأدب وفي نقد الأدب على السواء.
ولما كان أعظم أصناف التأثير هو ذلك الصنف الذي ينصبُّ على الضمير، أو الوجدان، وهو التأثير الذي تنتجه التراجيديا قبل سواها من الأصناف الأدبية، فإن الذاتية هي المنتج الأكبر للنصِّ الأدبي، دون أدنى ريب. وعندي أن الوظيفة النهائية للآداب والفنون كلِّها تتلخص في إحياء الضمير البشري الذي به يصير الإنسان إنسانًا، وبغيره لا يعود سوى حيوان. إن من الغرائب ألا يفطن أيُّ فيلسوف، طوال ستة وعشرين قرنًا تؤلِّف تاريخ الفلسفة، إلى أن تربية الضمير وتنميته ينبغي أن تكون الوظيفة الأولى لكلِّ تربية على الإطلاق.
ولكن هذا المذهب لا يعني البتة إلغاء الموضوعية إلغاء كليًّا، أو طردها نهائيًّا من مجال النقد الأدبي. فعلى الناقد أن يكون موضوعيًّا حين يدرس النصوص الأدبية بحيث لا يُغفِل ما تتمتع به من مزايا وتفاصيل وسمات حية صانعة للجودة. كما أن الموضوعية، أو النزاهة، من شأنها أن تُلزِم الناقد بألا يقوِّل النص ما لا يقول، وبألا يحمِّله أكثر مما يستطيع أن يحمل.
وبإيجاز، إن الموضوعية جزء من الجهد النقدي، لا يجوز الاستغناء عنه بتاتًا؛ إذ بغير الحدِّ الأدنى من الموضوعية، يغدو النقد الأدبي مجرد شطح وتهويم ينتميان إلى اللغو أو إلى الثرثرة.

شارك السؤال